المربع نت – في الماضي، كانت السيارة تُشترى لتعيش مع صاحبها عقدين من الزمن على الأقل، تُورَّث من الأب إلى الابن، وتبقى رمزاً للجودة والصلابة. أما اليوم، فالكثير من السائقين حول العالم يعتقدون أن العصر الذهبي للاعتمادية قد انتهى.
لم تعد السيارات الحديثة تصمد كما كانت، بل أصبحت شكاوى الأعطال الإلكترونية، ونفقات الإصلاح الباهظة، وأعمار المكونات القصيرة واقعاً يومياً لملايين الملاك. فهل فعلاً تقلص العمر الافتراضي للسيارة إلى خمس سنوات فقط كما يعتقد البعض؟ أم أن الصورة أكثر تعقيداً مما نتصور؟
الوصول السريع للمحتوى
انهيار في الثقة: أرقام تكشف القلق العالمي
بحسب تقرير AutoBild الألماني لعام 2025، فإن نسبة السيارات التي تتعرض لأعطال رئيسية خلال أول خمس سنوات من الاستخدام ارتفعت بنحو 28% مقارنة بعام 2010. أما تقرير ReliabilityIndex البريطاني، فذهب أبعد من ذلك، مشيراً إلى أن متوسط تكلفة الإصلاح السنوية للسيارات الحديثة زاد بنسبة 35% خلال العقد الأخير.
وفي التفاصيل، جاءت بعض العلامات اليابانية مثل تويوتا وهوندا ومازدا في صدارة القوائم من حيث الاعتمادية، بينما تدهورت أسماء أوروبية بارزة مثل بي ام دبليو ومرسيدس وزادت معدلات الأعطال بعد السنة الرابعة من الاستخدام. أما السيارات الكهربائية، فكانت المفاجأة المزعجة: رغم قلة القطع الميكانيكية، إلا أن أعطال البطاريات ووحدات التحكم الإلكترونية جعلت متوسط تكلفة الإصلاح أعلى بنسبة 50% من سيارات البنزين.
شاهد أيضاً:
جيل التكنولوجيا… وسقوط الميكانيكا
السبب الأول لتراجع الاعتمادية هو التكنولوجيا نفسها. فبينما كانت السيارات القديمة تعتمد على ميكانيكا بسيطة يمكن لأي ميكانيكي إصلاحها بمفتاح وقطعة معدنية، أصبحت السيارات الحديثة مليئة بوحدات تحكم إلكترونية، وحساسات، وبرامج تحتاج إلى أجهزة تشخيص خاصة.
أنظمة السلامة النشطة، الكاميرات، الرادارات، وأنظمة المساعدة على القيادة جميعها عناصر رائعة من حيث الراحة والأمان، لكنها أيضاً نقاط ضعف محتملة. فوفقاً لتقرير من J.D. Power، تشكل الأعطال الإلكترونية الآن أكثر من 55% من شكاوى الملاك في أول ثلاث سنوات، مقارنة بـ18% فقط قبل عشر سنوات.

ويشير خبراء الصيانة إلى أن كثيراً من الأعطال لم تعد تُصلح، بل تُستبدل بالكامل. فبدلاً من تغيير حساس بسيط في نظام المكابح، أصبح على المالك شراء وحدة إلكترونية كاملة، ما يرفع التكلفة ويقلص عمر السيارة الاقتصادي.
التقشف في الصناعة… الجودة تدفع الثمن
جانب آخر لا يقل أهمية هو ضغط التكاليف في صناعة السيارات. فمع تضخم الأسعار وتزايد المنافسة، تسعى الشركات لتقليل تكلفة الإنتاج بأقصى قدر ممكن. ويشمل ذلك استخدام مواد أخف وزناً وأرخص ثمناً، مثل الألمنيوم والبلاستيك المقوى بدلاً من الحديد الصلب في الهياكل والمكونات الداخلية.
اقرأ أيضاً: “تقارير المربع” لماذا انهارت مبيعات السيارات الرياضية في 2025؟
تقرير صادر عن Consumer Reports أشار إلى أن أكثر من 60% من الأعطال الهيكلية في السيارات الأوروبية الحديثة تعود إلى ضعف جودة المكونات البلاستيكية المستخدمة في أنظمة التكييف، والمرايا الكهربائية، وحتى مقابض الأبواب.
بل إن بعض الشركات صارت تحدد العمر التشغيلي الافتراضي لقطع رئيسية مثل ناقل الحركة أو مضخة الوقود عند 150,000 كيلومتر فقط، بعد أن كانت في الماضي تتجاوز ضعف هذا الرقم.
الاعتمادية القديمة… نوستالجيا أم واقع؟
الكثير من عشاق السيارات يعتقدون أن السيارات الكلاسيكية كانت أكثر صلابة واعتمادية. ويكفي أن تذكر أسماء مثل تويوتا لاندكروزر 1998 أو مرسيدس E-Class W124 حتى تنهال القصص عن سيارات قطعت نصف مليون كيلومتر دون مشاكل تُذكر.

لا يوجد شك أن المحركات الحديثة قطعت شوطاً كبيراً في تحسين معدلات الكفاءة والانبعاثات، كما أنها أفضل بمراحل من محركات التسعينيات من ناحية الأمان والراحة والاقتصاد في الوقود، ولكن المشكلة هنا تكمن في الاعتمادية طويلة الأمد، وليس في الجودة الأولية.
الجيل الجديد من السيارات بُني ليكون ذكياً، سريعاً، وخفيف الوزن، لكن ليس بالضرورة “خالداً”. وهنا يكمن التناقض: التطور التكنولوجي الذي جعل القيادة أسهل، جعل الصيانة أكثر تعقيداً وعُرضة للأعطال المكلفة.
المستقبل… بين الاستدامة والتعقيد
مع تزايد التوجه نحو الكهرباء والذكاء الاصطناعي في السيارات، يبدو أن المعركة من أجل الاعتمادية ستصبح أصعب. البطاريات، وحدات التحكم، والأنظمة الذاتية القيادة كلها مكونات لم تصل بعد إلى النضج الكامل، مما يعني أن الأعطال قد تستمر وربما تتفاقم قبل أن يتحقق الاستقرار التقني.
ومع ذلك، يرى محللون أن الجيل القادم من السيارات، خاصة في اليابان وكوريا، بدأ يتجه نحو تصميمات أكثر بساطة ومرونة، مع مكونات يمكن استبدالها بسهولة وتكلفة أقل، في محاولة لاستعادة ثقة العملاء التي بدأت تتآكل.
اشترك بالقائمة البريدية
احصل على أخبار وأسعار السيارات أول بأول
