«الصحفي الخفي» يخاطر بحياته ويدخل «عش الدبابير»

عصابات «أجنبية» تحتل مواقف «غسيل السيارات»

عصابات «أجنبية» تحتل مواقف «غسيل السيارات» 9

محمد العويس – الأحساء

عصابات «أجنبية» تحتل مواقف «غسيل السيارات» 10

الصحفي الخفي اثناء مشادة كلامية مع العمالة

عصابات «أجنبية» تحتل مواقف «غسيل السيارات» 11

المحرر اثناء غسيلة احدى السيارات

عصابات «أجنبية» تحتل مواقف «غسيل السيارات» 12

الزميل محمد العويس يتنكر في زي عامل غسيل سيارات

بمقابل يومي أو شهري بحسب الاتفاق، بيد أن «الصحفي الخفي» الذي استهوته أسرار هذا العالم، توصل إلى خفايا لا يعرفها الكثيرون.. فهل تصدقون أن عمالة غسيل السيارات، يعملون وفق أنظمة دقيقة، أشبه بـ«تشكيلات عصابية» مرتبة، تخصص لكل منهم مربعاً في مواقف السيارات، لا يجوز لأحد أن يعتدي على مربع الآخر.. وهل تصدقون أن العامل الذي يريد أن يغادر مربعه، يحق له أن يبيعه على عامل آخر أو يؤجره بمقابل كبير .. وهل تصدقون أن أي اعتداء على الموقع من عامل جديد، لابد أن يقابله تكاتف جميع العمالة لطرد هذا الدخيل عليهم.. وهذا ما حصل لـ«الصحفي الخفي»، الذي خاطر بحياته، ودخل الموقع، فوق دراجة متهالكة، حاملاً أدوات التنظيف، ومرتدياً ملابس قديمة، وعندما أراد أن يحصل على ماء من عامل آخر، وجد من يرهبه من العمالة الأجنبية التي ضاقت به ذرعاً، فحذرته أنه دخل «عش الدبابير»، وعليه أن يغادر بالتي هي أحسن.. وإلا كانت العواقب وخيمة.. وهنا كانت بداية الجولة.

دراجة قديمة
تعد الدراجة (البيسكل) بشكلها القديم، الأكثر استخداماً من قبل العمالة الآسيوية، نظراً لقوة تحملها، كما أنها مزودة بسلة خلفية من أجل وضع المستلزمات فيها، قررت أن استأجر إحداها من احد العمالة ولمدة أربع ساعات فقط، على أن أعيدها له بعد الانتهاء من مهمتي، وأخذت مع الدراجة سطلاً متوسط الحجم، أخضر اللون، وآخر كبيرا، لونه أبيض، يضاف إليها مستلزمات غسيل السيارات، وضعتها فوق الدراجة، ولم أنس أن أتسلح بملابس متسخة وملامح مجهدة لعامل يظل طوال اليوم هائماً على وجهه في الشارع، يغسل السيارات، قررت أن أقتحم عالم غسيل السيارات، وان أكسب المال عن طريق عرض خدماتي على أصحاب المركبات، في الشوارع والمواقف والدوائر الحكومية، وبعد رحلة استمرت أربع ساعات خرجت بخفايا كثيرة، على الرغم من انني لم أكسب سوى 70 ريالاً، جمعتها من غسيل سبع سيارات، وهو مردود ليس بالبسيط، وعرفت أن هذا الدخل يرتفع في المناسبات والأعياد، ويصبح أضعافاً مضاعفة، وعلى الرغم من مشكلة اللغة واللهجة التي احتجت إليها للتعامل مع الزبائن ومخاطبة زملائي من العمالة الأخرى، إلا انني اجتهدت في الأمر، واستعنت بحركات الوجه يميناً ويساراً.
قلق وخوف
أعترف أنني شعرت بقلق كبير، خوفاً من عدم استطاعتي انجاز المهمة على الوجه الأكمل، حاولت قبل الانطلاق صوب الميدان أن أتعلم بعض الكلمات التي تساعدني في مخاطبة العمالة الذين سأذهب إليهم، واقف بجانبهم، وكنت أتدرب عليها كثيراً، حتى أجدتها بشكل مطمئن، وبداية ذهبت أبحث عن عامل يقوم بغسيل سيارتي، وأخذت أراقبه عن كثب، وأتابع حركاته وأسلوب عمله في غسيل السيارة، وان تكون مهمة العامل بمثابة المراجعة النهائية قبل النزول للميدان، وحرصت أن أتعلم كيف أن اكسب الزبون وأجعله يطلب مني غسيل سيارته، وعرفت من العامل من أين يأتي بالماء النظيف المستخدم في الغسيل، وشاهدت عملية التنظيف والتكلفة التي طلبها العامل وهي عشرة ريالات.
عامل بنغالي
حاولت الانتقال إلى عامل آخر، وقبل أن أبدأ عملي الفعلي والميداني، فضلت أن أطبق ما تعلمته عن طريق احد العمالة، الذي كان يقوم بجولات كل مساء، من أجل كسب المال، إضافة إلى انه من العمالة المعروفين، ولديه زبائن كثيرون، إذ يقوم بغسيل سياراتهم يوماً بعد آخر، مقابل 100 ريال شهرياً للسيارة الواحدة، كما انه يقوم بدراجته الهوائية بالتنقل من مكان إلى مكان لمواصلة عمله الإضافي في غسيل السيارات، ففكرت جدياً أن استفيد منه، ومن خبراته ومعارفه في هذا المجال، وأن أخرج كمساعد له، إلى أحد المواقف في مدينة الأحساء، دون ان يعلم أي أحد، وتفاوضت مع العامل، وشرحت له الوضع بالكامل، فوافق بصعوبة كبيرة، وطلبت منه أن يتكلم نيابة عني، فوافق، وبدأنا عملية التطبيق، وكنت أتابع وأراقب ما يقوم به، وتأكدت أن أي عامل يمكنه أن يكسب المال الوفير، باستخدام سطل ماء وأدوات غسيل متواضعة، وإن كان هذا الأمر مليئاً بالأسرار الكثيرة.
وأثبت لي هذا الأمر أن عالم العمالة الوافدة كبير ويختزن أسراراً لا يعرفها الكثيرون، ففي كل دقيقة تمر، تجدهم يكسبون الكثير، غير مبالين بالمأكل أو المشرب أو الملبس، واضعين أمام أعينهم هدفاً لابد أن يحققوه، ولابد من الوصول إليه.
كلام معسول
ويستخدم العامل الأجنبي العامل في غسيل السيارات، أساليب عدة لإغراء صاحب السيارة بأنه سيجعلها نظيفة و»مية مية» بحسب وصف أحدهم لزبائنه، وما إلى ذلك من الكلام المعسول، حتى يقنع الزبون أن خدماته تفوق الآخرين، ويمنحه أمراً بغسيل السيارة، واستفدت كثيرا ممن حولي، ونجحت في مواصلة العمل، بعد ان أنجزته على أحسن وجه، مع أحد العمالة، وكسبنا رضا زبون سعودي كان يدفع بسخاء.
تحقيق الهدف
كان لي هدف محدد في الانتقال لموقع آخر بمفردي، دون الاعتماد على أحد، وكنت أخشى ألا يكتمل، لولا تشجيع الزملاء الذين أكدوا أنهم سيقفون بجانبي، ومنهم زميلي المحرر فادي الجمل الذي رافقني للموقع، وكذلك المصور نواف الشمري، وحددت هدفي والموقع الجديد الذي سأنتقل إليه، هو مستشفى الولادة والأطفال في الأحساء، حيث يعد أحد المواقع المهمة لانتشار عمالة غسيل السيارات على مدار الساعة، خصوصا أوقات زيارة المرضى المنومين في وقت العصر، قبل التوجه إلى المكان، قمت أنا وزميلي المصور بعمل جولة ميدانية لتحديد المكان الذي سيتم اتخاذه موقعاً لي، من أجل غسيل السيارات، والاختلاط بالعمالة ومعرفة، كافة الأمور بهم، ورغم خوفي الكبير من أن يتم كشفي خصوصا أنني شاهدت الكثير من الزملاء الذين أعرفهم شخصيا فالصوت وملامح وجهي، ربما يفضحاني أمام من أعرفهم ويعرفونني، فطلب مني المصور تغيير الصوت، ونطق الكلمات التي تعلمتها، وان أتكلم قليلاً، واكتفي بالإشارات إن أمكن، وهز الرأس.
ممنوع الاقتراب
وخلال الجولة في هذا المكان، اتضحت لنا الأمور كافة، وقررت أن ابدأ العمل، وبدون أي تردد، وحددنا فترة ووقت الانطلاقة وكان ذلك عند الساعة الرابعة عصراً، وقفنا على بعد 200 متر من مستشفى الولادة والأطفال، وارتديت ملابس العمل، وامتطيت دراجتي المستأجرة، وكلي شوق كبير لإنهاء مهمتي، سواء نجحت أو فشلت، بدأت السير نحو الهدف، وبخطوات واثقة، كما علمني احد العمالة، اقتربنا من مواقف السيارات، بدأت دقات قلبي تزداد، وبدا معها الخوف، دخلت الموقع، وحاولت في البداية استثارة العمالة الموجودة، فأردت التنقل من مكان إلى آخر أمامهم، ومن مربع إلى مربع، للفت الانتباه بقدومي، فلفت ذلك نظر الجميع، واستثارهم كثيراً، وبدأت ألسنتهم تنطق بكلمات غاضبة سريعة، وكأنهم يقولون ماذا يريد هذا الشخص هنا؟، لاحظت أن الموقع موزع كمربعات بين العمالة، وكل عامل أو عاملين، مسؤولان عن مربع، ولا يجوز لأحد أن يعتدي على مربع زميله، فقررت أن أذهب إلى أحد المربعات، وأوقفت دراجتي وبدأت أفعل ما يفعلون، وأشير إلى أصحاب السيارات القادمة للمستشفى، أو الذهاب إليهم، عارضاً عليهم خدماتي، وهو ما جعل العمالة الموجودة، تغضب مني لوجودي في مربعهم، فقررت أن أذهب إلى مربع آخر، وطلبت من احد العمال أن يعطيني بعض الماء الذي يملكه، إلا انه رفض، ومع محاولتي أخذ الماء بأي وسيلة، رفض ونهرني، مهدداً بمنعي بالقوة، طالبا المساعدة من احد زملائه لمنعي بالقوة، ونصحني أن أذهب إلى داخل المستشفى، والحصول على ما أريد من ماء. وبعد مشادة كلامية سألني بلغته «كم بني»، ومعناها في أي شركة تعمل؟ فلم أرد عليه.
100ريال
بدأت السيارات تتوافد على المكان، والعمل أصبح نشطاً، وأنا أقف موقف المتفرج، أتابع العمالة منهمكة في أعمالهم، ويحصدون المال، راقبت الموقف جيداً، رأيت أن العامل الواحد يحصد نحو 100 ريال في اليوم الواحد، ومنهم من يحصد 80، ومنهم 50 ريالاً، وهو أقل ما يمكن تحصيله في هذا المكان، وسألت عاملاً كم يحصل شهرياً، أخبرني أنه يستطيع أن يجمع 3000 ريال شهرياً كمتوسط دخل، وكل عامل بحسب نشاطه، هذا إضافة إلى راتبه من عمله الأساسي.
قررت أن أذهب للجهة الأخرى، وقمت بغسيل سيارة أحد الزبائن، بعد أن أغريت صاحبها بحصولي على خمسة ريالات فقط، وليس عشرة ريالات كالمعتاد، حدث هذا أمام أحد العمالة، الذي غضب مني، وبعدها جاءني أحد العمالة، وطلب مني مغادرة المكان، لأنه يخصهم وحدهم، فقررت المغادرة بعد أن حصلت على ما أردت، وبعد أن أصبحت حديث العمالة، والشغل الشاغل لهم، خلال أربع ساعات كاملة.

اشترك بالقائمة البريدية

احصل على أخبار وأسعار السيارات أول بأول


Icon سيارات للبيع من أصحابها

مقالات ذات علاقة