ناصر الحجيلان

يفضل بعض المراهقين والشباب قضاء أوقات فراغهم في ممارسة أنشطة يغلب عليها العنف. ويمكن فهم هذا الميل بالنظر إلى طبيعة المرحلة العمرية التي يمرّون فيها، وهي مرحلة تنعدم فيها الجاذبية بين عالم الأطفال وعالم الكبار، فلا يعرف المراهق انتماءه على وجه التحديد ويجد بعضهم في العنف وسيلة للتعبير عن هويته الجديدة. ومن بين هذه الأنشطة العنيفة ما يُعرف في بيئة الشباب ب”الهجولة” التي تعني لديهم المشي المتكرر بلا هدف، وربما كان التفحيط أهم نشاط يوضّح بشكل دقيق مفهوم الهجولة.

وهناك مجموعة من هؤلاء الشباب الذين لايجدون شيئًا يفعلونه في الصيف سوى استئجار السيارات أو سرقتها والتفحيط بها، فيعرضون أنفسهم وغيرهم للخطر. وكثيرًا ما نتساءل عن السبب الذي يدفع هؤلاء الشباب لممارسة عمل قد ينتزع روحهم بأي لحظة. وقد تناول هذه الأسباب الدكتور صالح الرميح، أستاذ علم الاجتماع في جامعة الملك سعود، في بحث له عن “العوامل المؤثرة في ارتفاع ظاهرة التفحيط بين الشباب السعودي وطرق الوقاية منها”. وقد حدد بشكل مفصّل ودقيق جملة أسباب وراء ممارسة الشباب للتفحيط وعرض أساليب الوقاية لحماية الأرواح من أضرار التفحيط. والواقع أن تلك الدوافع مهما تعدّدت فإنه يمكن النظر إليها على أنها خليط بين البحث عن المتعة وتحقيق الشهرة في مجتمع المفحطين.

ويكفي أن موقعا مثل اليوتوب أصبح الآن مليئًا بالمقاطع التي تمجّد أسماء معينة لمفحطين، والبعض الآخر يدخل في مشاحنات دفاعًا عن مفحطهم المفضل الذي تحوّل إلى نجم بارز له جمهور وإعلانات تنتشر بين المنتديات والمواقع المخصصة للتفحيط. وحينما نشاهد هذه المقاطع نلاحظ أن الكثير منها عمل له إخراج يظهر المفحط على أنه ليس مجرد شخص ماهر بقدر ما هو صاحب عمل خارق. ومع التأثيرات الصوتية الحماسية وتتابع اللقطات وتكرر اسم الشهرة للمفحط يجد الشباب أنفسهم مشدوهين مما يحصل أمامهم ومنجذبين نحو هذه الممارسة بشكل يجعلهم يبحثون عن جميع أنواعها وفنونها ويجمعون المعلومات عن أبرز من اشتهر فيها.

والمؤسف أن مجتمع التفحيط يعج بالمخدرات التي يتناولها عدد من المفحطين والمعززين والمتجمهرين الداعمين بالتشجيع والتأييد. ووجود المخدرات يساعد في تفسير هذه النزعة التي تستعصي على الفهم وهي كيف يمكن لبشر أن يقفوا منتظرين موتًا محققًا أمام الحديد دون مبالاة. ولا مجال لذكر عدد الوفيات وحالات الشلل والعاهات التي تسبّب فيها التفحيط، فهذا الأمر ليس خافيًا على مطلع. ولكن المصيبة أن نعلم أن جزءًا كبيرًا من هذه المشكلة يتحملها الموظفون الأجانب في محلات تأجير السيارات ممّن يتواطؤون مع المفحطين بتيسير استئجار السيارة دون التقيد بالضوابط مقابل رشوة مادية أو خلافه.

والمثير أن فنون التفحيط السعودي -إن صح الوصف- لفتت انتباه عدد من الأجانب حول العالم خصوصًا في أسبانيا وألمانيا وأمريكا وروسيا واليابان وغيرها من البلدان التي يمارس فيها التفحيط بصفته رياضة مقننة لها ضوابط تحفظ السلامة. وكانوا جميعًا مستغربين من هذا الاستهتار الواضح عند الشباب السعودي تجاه أرواحهم وأرواح غيرهم وسلامتهم. فالسيارة غير مهيئة، والمفحط لايرتدي خوذة الرأس الواقية من الكدمات، ولايلبس ملابس رياضية للحماية، ولاتوجد شوارع معدة، ولاخدمات طبية وإسعافية مجهزة في الموقع؛ بل إن المكان يعج بالشباب والأطفال المتناثرين هنا وهناك ممن يتابعون السيارة وهي تتموج ذات اليمين وذات الشمال وتخرج عن سيطرة سائقها في كل انحراف وكل دورة تستديرها.

ولأن التفحيط لازال قائمًا ومن المحتمل أنه سيبقى مادام هناك شباب يملكون طاقة عالية من النشاط البدني مقابل الفراغ الكامل الممنوح لهم في الحياة. ولعدم وجود خيارات أخرى مناسبة لطبيعة شخصياتهم في هذه المرحلة العمرية يمكن لهم أن يسلكوها، فإنه من الملائم أن تهتم الجهات المعنية مثل أمانة مدينة الرياض والرئاسة العامة لرعاية الشباب بنقل التفحيط من كونه ممارسة خارجة عن القانون تحدث في مجتمع مفحطين يعيش في مستنقع الفساد إلى رياضة لها ضوابط وأعراف يمارسها الشباب أمام الملأ ويتبعون فيها أساسيات السلامة الخاصة بالسيارة والشارع والبيئة المحيطة والسائق نفسه.

ومن سمحت له فرصة مشاهدة مقاطع لتفحيط الأجانب أمثال “كن بلوك” وسواه، سيرى أنهم يأخذون الأمر على محمل الجد ويولون هذه الرياضية عناية فائقة؛ فالسيارة المستخدمة هي قريبة من سيارات السباق ذات التجهيزات الخاصة بالتفحيط، والراكب يرتدي ملابس رياضية خاصة تحمي مفاصله ورأسه. إلى جانب أن الشارع مهيأ بشكل جيد لهذه الرياضة، وينتشر على أطرافه المطاط الماص للكدمات، وهناك فرق إسعافية جاهزة لأي طارىء.

إن إيجاد إطار رسمي للتفحيط تحت ناد نظامي له لوائح واشتراطات ولجان ومسؤولين في مكان خاص معد لهذا الغرض تقام عليه هذه الفعالية بوصفها رياضة، سيساهم في التقليل من التفحيط العشوائي الحاصل الآن. ومع الوقت سيجلب جماعة المفحطين لهذا النادي بعد أن يتلقوا التدريب المناسب تحت إشراف متخصصين. ويصبح عبثهم عملا مقننًا ضمن رياضة تخضع للعناية والمراقبة. وبهذا يمكن التقليل من حوادث التفحيط والمخالفات الأخرى التي لها علاقة بالتفحيط، ومحاولة استثمار طاقات هؤلاء الشباب وتنمية مهاراتهم بطريقة منظمة وسليمة.

اشترك بالقائمة البريدية

احصل على أخبار وأسعار السيارات أول بأول


Icon سيارات للبيع من أصحابها

مقالات ذات علاقة


برامجنا المميزة

مشاهدة الكل