المربع نت – تواجه تيسلا واحدة من أصعب فتراتها منذ تأسيس العلامة الشهيرة وإحداثها لثورة غير مسبوقة في عالم السيارات، مع تسجيلها لسبعة أشهر متتالية من تراجع حصتها السوقية في أوروبا، وانهيار مماثل للمبيعات في معظم الأسواق العالمية الأخرى.
هذه ليست موجة عابرة في بحر هادئ، بل علامة على تحوّلٍ أعمق في سوق يتوسع سريعاً ويعيد رسم خرائطه. في يوليو وحده ارتفعت مبيعات السيارات الجديدة في أوروبا 5.9%، وقفزت تسجيلات السيارات الكهربائية والهجينة بنسب هائلة، لكن تيسلا—برغم أنها لاعب كهربائي صافي—واصلت الانزلاق: هبوط يفوق 40% على أساس سنوي، وانكماش للحصة السوقية إلى 0.8%، فيما صعدت حصة بي واي دي بثلاثة أضعاف إلى 1.2% في أوروبا.
السؤال الذي يفرض نفسه: هل هذه بداية نهاية هيمنة تيسلا، أم “استراحة محارب” في منتصف معركة أطول؟
الوصول السريع للمحتوى
لماذا يعزف الأوروبيون عن تيسلا؟
الجواب لا يختزل في سبب واحد. بدايةً، هناك شيخوخة تشكيلة الموديلات، وهي أزمة تواجهها تيسلا في معظم الأسواق وليس أوروبا فقط.. تيسلا تقدم نفس المنتجات تقريباً بدون اختلافات جذرية منذ عقد من الزمن، باستثناء موديل واي الذي حصل على بعض التحديثات الجمالية والتقنية منذ أشهر، ما يعني أن تيسلا في نظر المستهلكين تبدو “متقادمة” نسبياً مقارنة بالمنافسين.
ثانياً، صورة العلامة وتأثيرها على الرغبة بالشراء؛ أوروبا أكثر حساسية للمواقف السياسية لأي شركة أو شخص ممثل عن شركة من أي سوق آخر. الخطاب السياسي الحادّ المنسوب لايلون ماسك، وخاصة دعمه لترامب ولأحزاب اليمين المتطرف في أوروبا، وما رافقه من ضجيج إعلامي، لم يمر بلا أثر على شريحة كبيرة من العملاء في أوروبا ودمر صورة العلامة بشكل دائم لدى الملايين.
ثالثا، حرب الأسعار وصلت حدّ الإنهاك: ببساطة لم تعد تيسلا قادرة على المنافسة بشكل حقيقي من ناحية السعر أمام المنافسة، وعلى رأسهم المنافسة الصينية من بي واي دي في قلب أوروبا.
وأخيراً لا يمكن إغفال السياق التنظيمي: ألمانيا مثلاً أعادت هيكلة حوافز المركبات الكهربائية بعد إلغائها في 2023، ما حرّك الطلب على السيارات الكهربائية مرة أخرى في يوليو. لكن المفارقة أن موجة الانتعاش هذه لم تنتشل تيسلا؛ المستفيد الأكبر كان المنافسون الذين دخلوا بموديلات أحدث، وبتسعير أفضل وأكثر تنافسية، وبعروض تمويل وصيانة مصمّمة للسوق المحلي.
شاهد أيضاً:
بي واي دي: صعود بالغ الذكاء
بي واي دي لم تأتِ إلى أوروبا لتصارع “رمزًا” بمنتج واحد؛ جاءت بمنظومة: طيف واسع من الموديلات الكهربائية والهجينة القابلة للشحن، إستراتيجية تسعير دقيقة وذكية للغاية، وإمداد متماسك. في يوليو، تمكنت بي واي دي من تجاوز تيسلا في الحصة السوقية الأوروبية الشهرية، لأول مرة في تاريخها.
وفي النصف الأول من 2025 قادت بي واي دي مبيعات المركبات الكهربائية والهجينة بالقابس عالميًا بأرقام تُضاعف منافسيها. الأهم أن هذه الوتيرة تتعزز في أوروبا بتوطينٍ صناعي متدرّج: مصانع مخططة في المجر وتركيا، وسلاسل توريد قادمة من بيئة صينية اعتادت على الإنتاج الكبير والتكلفة المنخفضة.

من منظور المستهلك، سرّ جاذبية بي واي دي بسيط: سعر منافس، مواصفات عالية، وتنوع فئات. هذا “المنطق البارد” يشتغل في السوق الأوروبية الآن بقوة؛ فالزبون الذي كان مستعدًا لدفع علاوة بسبب اسم ورقيّ علامة تسلا قبل سنتين، صار يقارن اليوم الكيلواط-ساعة مقابل اليورو، والضمان مقابل شبكة الخدمة، والتجهيزات القياسية مقابل السعر النهائي.
اقرأ أيضاً: حكم تاريخي على تيسلا بدفع 243 مليون دولار بسبب حادث مميت لنظام القيادة الذاتية
فولكس فاجن… وعودة الثقل التقليدي
خلف العناوين الدرامية عن تيسلا وبي واي دي، هناك واقعٌ أهدأ: المجموعة الأوروبية الأكبر عادت لقيادة السوق الكهربائي في بيتها بعد أعوام طويلة من المعاناة والتدهور في هذه الفئة.

مجموعة فولكس فاجن رفعت حصتها في فئة السيارات الكهربائية داخل أوروبا إلى قرابة الثلث، بفضل موجة منتجات جديدة وتحسينات ملموسة في التقنية والبرمجيات. بالنسبة للمستهلك الأوروبي، هذا يعني أن البديل “المحلي” صار مقنعًا أكثر: شبكة وكلاء ضخمة، لغة تصميم مألوفة، وسيارات تُضبط خصيصًا لذائقة القارة وقيودها التنظيمية.
هل انتهى زمن تيسلا… أم بداية موجة ثانية؟
اليوم المشهد تغيّر بالكامل في أوروبا.. المنافسة اشتدت، دعم الحكومات يُعاد تشكيله، والزبون اكتسب خبرة مقارنة حقيقية. هذا لا يعني أن تيسلا فقدت أوراقها كلها. ما يزال لديها:
خبرة عميقة في تطوير البطاريات بنفسها بدون الاعتماد على مصادر خارجية، ما يمنحها حرية حركة واسعة.. كما تحظى تيسلا بسلاسل توريد ناضجة، وقاعدة برمجية متقدمة للاتصال وتكنولوجيا القيادة الذاتية.
كما تتميز تيسلا بقاعدة تصنيعية قوية في أوروبا، وتحديداً في برلين، قابلة لرفع الإنتاج فور استقرار تحديثات موديل واي والنسخ المبنية عليه، كما أن تيسلا تظل علامة بسمعة قوية لدى شريحة واسعة ترى في تسلا “منصة تقنية” بقدر ما تراها سيارة، وهي شريحة لم تتأثر بعد بالاتجاهات السياسية المتطرفة لماسك.
اقرأ أيضاً: إيقاف تيسلا موديل S وموديل X في أوروبا بعد تدهور المبيعات
لكن استعادة المكانة تتطلب تحوّلًا نوعياً في ثلاث نقاط:
تجديد التشكيلة الأوروبية بسرعة وبما يلائم الذوق المحلي (سيارة أصغر حجمًا وأرخص ثمنًا ستكون محورية)، كما لابد من استراتيجية تسعير ذكية لا تستهلك الهوامش الربحية بلا نهاية، مع عروض تمويل وخدمة ما بعد البيع تنافس اللاعبين التقليديين.
والأهم من كل ذلك، هو تخفيف الضجيج الإعلامي المؤذي المحيط بالعلامة ورئيسها ماسك، فالسوق الأوروبي لا يفصل بسهولة بين صورة القائد وصورة المنتج.

هل تكتسح بي واي دي تيسلا تماماً؟
في أوروبا، الاحتمال وارد—خاصة إذا تسارعت وتيرة التوطين الصناعي واشتد الضغط السعري. في العالم، الصورة أكثر تعقيداً: تيسلا ما تزال قوية في أمريكا الشمالية، وتتمتع بقاعدة ولاء أعلى وهوامش أفضل على بعض الموديلات، لكنها تواجه ضغوطاً بسبب خفض الدعم والتطور السريع للمنافسين.
بي واي دي تملك أداة نمو سريعة بفضل جمعها بين الموديلات الكهربائية الصافية والموديلات الهجينة بالقابس، تمنحها حجمًا وقدرةً على “الاستحواذ على الحصة السوقية” بسرعة، لكن دخولها في الشرائح السعرية الأعلى—حيث تتفوّق تيسلا تقليدياً—لا يزال عملاً جارياً.
اقرأ أيضاً: ترامب يهدد بترحيل ماسك من أمريكا وإيقاف الدعم الحكومي لتيسلا
الخلاصة
ما يحدث لتيسلا في أوروبا ليس “حادث سير” على طريق مستقيم، بل تغيير في تضاريس الطريق. القارة تُكافئ اليوم من يقدّم القيمة الأكثر اتزانًا بين السعر والمواصفات وتوافر الخدمة، وتُقلِّص علاوة “السبق التقني” التي تمتعت بها تسلا.
بي واي دي تملأ الفجوات بسرعة، وفولكس فاجن تستعيد ثقتها على أرضها. هل هي نهاية الهيمنة؟ ربما نهاية فصلها الأوروبي بصيغته الأولى. لكن مصير الفصول التالية يتوقف على سرعة تسلا في تجديد منتجها الأوروبي، وإعادة تموضعها السعري، وتهدئة ضجيج الصورة العامة. المنافسة دخلت وقتها الإضافي، ومن المبكر إعلان النتيجة النهائية—لكن الكفة على المدى القريب تميل بوضوح بعيداً عن تيسلا داخل أوروبا.

اشترك بالقائمة البريدية
احصل على أخبار وأسعار السيارات أول بأول
