المربع نت – في خطوة أثارت ضجة سياسية واقتصادية، أعلنت إدارة الرئيس دونالد ترامب إلغاء جميع الغرامات المفروضة على شركات السيارات بموجب برنامج “متوسط اقتصاد الوقود للشركات” (CAFE)، بأثر رجعي منذ موديلات عام 2022، لتنهي فعليًا أكثر من خمسين عامًا من السياسات البيئية التي فرضت على صانعي السيارات التزامات صارمة لتحسين كفاءة الوقود وخفض الانبعاثات.
هذا القرار التاريخي لم يكن مجرد تعديل تقني في لوائح هيئة السلامة المرورية، بل هو نقطة تحوّل تُعيد رسم ملامح سوق السيارات الأمريكي والعالمي، وتطرح سؤالًا صريحًا: من الرابح ومن الخاسر؟
الوصول السريع للمحتوى
أولاً: الرابحون من قرار ترامب — شركات السيارات الكبرى تعود للتحكّم باللعبة
في طليعة المستفيدين تأتي الشركات الأمريكية الثلاث الكبرى: جنرال موتورز، فورد، وستيلانتس. هذه الشركات كانت تُواجه ضغوطًا متزايدة من برنامج CAFE الذي فرض عليها، خلال العقدين الماضيين، تقليص أحجام المحركات، تقليل أوزان السيارات، واعتماد حلول هجينة أو كهربائية مُكلفة، فقط لتجنّب دفع مئات ملايين الدولارات كغرامات سنوية.
القرار الجديد يُحرّر هذه الشركات من تلك القيود، ويفتح أمامها باب العودة إلى إنتاج سيارات كبيرة بمحركات قوية تستهلك وقودًا أكثر، وهي الفئة التي تُحقق فيها أرباحًا مضاعفة، خاصةً في أسواق مثل أمريكا والخليج.
جنرال موتورز وحدها كانت تُواجه غرامات تفوق 300 مليون دولار عن موديلات 2022 و2023 فقط، بحسب تقديرات إدارة سلامة الطرق السريعة. الآن، تم شطب هذا المبلغ بالكامل.
الرابح الثاني هي شركات السيارات اليابانية والكورية مثل تويوتا، نيسان، وهيونداي التي اضطرت لتسعير بعض موديلاتها الهجينة بأسعار خاسرة لتلتزم بمتوسط الانبعاثات المطلوب. في ظل الإلغاء الجديد، تستطيع هذه الشركات إعادة تقييم استراتيجياتها في السوق الأمريكي بعيدًا عن ضغوط الامتثال.
ثانيًا: الخاسرون — الصناعة الكهربائية وسوق الائتمان الكربوني في مهب الريح

في الجهة الأخرى، يقف الخاسر الأكبر: صناعة السيارات الكهربائية، وعلى رأسها تسلا. منذ أكثر من عقد، اعتمدت تسلا على بيع أرصدة الانبعاثات (Carbon Credits) إلى شركات أخرى غير ممتثلة للوائح CAFE، ما شكّل مصدر دخلٍ تجاوز مليار دولار سنويًا في بعض السنوات.
بإلغاء الغرامات، لم تعد تلك الأرصدة ذات قيمة، ما يعني خسارة مباشرة في الإيرادات. شركات مثل ريفيان ولوسيد، التي لم تدخل الربحية بعد، كانت تُراهن على بيع الأرصدة أيضًا، وستتأثر بشدة بهذا التحول.
كما يُعد القرار ضربة لقطاع البنية التحتية الكهربائية الذي راهن على تسارع التحول إلى السيارات الكهربائية. وقف الحوافز، ثم إلغاء الغرامات، ثم خفض التمويل الفيدرالي لمحطات الشحن – كلها إشارات تُظهر أن الدولة لم تعد تُراهن على الكهرباء كمسار إلزامي.
ثالثًا: ضحايا غير مباشرين — المستثمرون وصناديق المناخ
القرار لم يهز فقط أركان صناعة السيارات، بل وصل تأثيره إلى بورصة نيويورك. بعد الإعلان، تراجعت أسهم تسلا بنحو 6%، كما هبطت أسهم شركات مثل ChargePoint وEVgo التي تُعنى بمحطات الشحن. أما صناديق الاستثمار التي ركزت على أدوات مالية مرتبطة بالتحول المناخي (Green ETFs)، فقد أعادت تقييم حيازاتها بعد أن تراجعت القيمة السوقية للقطاع الكهربائي.
رابعًا: 50 عاماً من السياسات تُطوى بجرة قلم

برنامج CAFE وُلد عام 1975 بعد أزمة النفط، وكان يهدف لتقليل اعتماد أمريكا على النفط الأجنبي. تطوّر لاحقًا ليصبح أداة بيئية بامتياز، تُستخدم لفرض واقع صناعي جديد. والآن، بإلغائه بأثر رجعي، تُبعث رسالة واضحة: الاعتبارات الاقتصادية – وليس البيئية – ستقود المرحلة المقبلة.
الإجراء لا يُلغي فقط غرامات سابقة، بل يُعيد تعريف العلاقة بين الصناعة والدولة، ويُعطي الشركات صلاحية أكبر في تحديد ما تُنتجه، بعيدًا عن الحسابات السياسية والتنظيمية.
الخلاصة: مرحلة جديدة تنطلق
ما بين الرابحين والخاسرين، يتّضح أن قرار إدارة ترامب بإلغاء غرامات الانبعاثات ليس مجرد “تخفيف تنظيمي” أو أداة محدودة لتبسيط اللوائح البيئية القاسية، بل تحوّل جذري في فلسفة السوق الأمريكي. الشركات التقليدية ربحت حرية الحركة، بينما تلقت الصناعة النظيفة ضربة في العمق.
ويبقى السؤال مفتوحًا: هل تتبع أوروبا نفس النهج؟ أم أن القرار سيعمّق الفجوة بين السياسات البيئية عبر الأطلسي؟.. الزمن فقط كفيل بالإجابة.



اشترك بالقائمة البريدية
احصل على أخبار وأسعار السيارات أول بأول
