
المربع نت – كشفت بيانات مفاجئة من مكتب الإحصاء الوطني الصيني أن هامش ربح صناعة السيارات في الصين هبط إلى ثاني أقل مستوى في تاريخه، عند حوالي 4.4٪، أي ما يعادل في المتوسط قرابة 7 إلى 8 آلاف ريال للسيارة الواحدة، في ظل أعنف موجة تخفيضات سعرية ومنافسة مشتعلة في أي سوق سيارات في العالم.
الأسعار المنخفضة ومعدلات الإنتاج الهائلة سمحت لصانعات السيارات الصينية باكتساح المنافسين في السوق المحلي والعالمي، ولكن على حساب الربحية.. والسؤال هنا، هل هذا نموذج ضعيف ينهك الشركات ويهدد بتدميرها في المستقبل كما يرى رئيس علامة شانجان؟، أم هي مرحلة انتقالية تُعاد فيها صياغة مفهوم الربح من الأساس؟
الوصول السريع للمحتوى

ماذا حدث لأرباح السيارات الصينية؟
للوهلة الأولى، الرقم يبدو صادماً. صناعة بهذا الحجم، بهذا الاستثمار، بهذا التعقيد، تنتهي بهوامش ربحية أقرب لصناعة الأجهزة الإلكترونية منها لصناعة السيارات التقليدية. لكن المهم هنا ليس الرقم نفسه، بل في ما يخفيه.
الصين لم تصل إلى هذا الهامش الربحي لأنها فشلت، بل لأنها وصلت إلى ذروة تنافس لم تصلها أي سوق سيارات أخرى من قبل. السوق هناك لم يعد ينمو بالوتيرة القديمة، لكنه امتلأ بعشرات العلامات، مئات الطرازات، وتحديثات شبه سنوية. في هذه البيئة، لم يعد السعر أداة جذب فقط، بل سلاح دفاعي. الشركات تخفض أسعارها ليس لأنها تريد الربح اليوم، بل لأنها لا تريد الخروج من اللعبة غداً.
شاهد أيضاً:
أبرز العوامل وراء انهيار الهوامش
السبب الأول للضغط الكبير على الأرباح هو فائض الطاقة الإنتاجية. الصين بنت خلال عقد واحد قدرة تصنيع تكفي العالم كله تقريباً. وعندما يتباطأ الطلب أو يتوزع على هذا الكم من اللاعبين، يصبح إبقاء خطوط الإنتاج تعمل أولوية حتى لو كان الربح ضعيفاً. السيارة التي لا تُباع اليوم تصبح عبئاً غداً، والمصنع المتوقف يخسر أكثر مما يخسره من تخفيض السعر.
السبب الثاني هو حرب أسعار داخلية حقيقية، وليست نظرية. شركات كثيرة تفضّل التضحية بالهامش على التضحية بالحصة السوقية، لأن الخروج من ذهن المستهلك الصيني يعني صعوبة العودة. هذا المستهلك أصبح واعياً، مقارِناً، ومتطلباً، ويريد أحدث شاشة، أسرع شحن، أفضل نظام مساعدة، بسعر أقل من العام الماضي. أي شركة تتأخر دورة واحدة تدفع الثمن فوراً.
اقرأ أيضاً: “تقارير المربع” لماذا أصبحت السيارات متشابهة أكثر من أي وقت مضى؟
ربما من أبرز الأمثلة على ذلك هي علامة شاومي، والتي طرحت أول سيارة لها باسم SU7 بمعدلات أداء منافسة لأمثال بورش تايكان، ولكن بسعر لا يتجاوز 30,000 دولار، وصرح مسؤولون لدى الشركة آنذاك أنها تخسر 10,000 دولار على كل سيارة تبيعها.

السبب الثالث هو أن السيارة الحديثة لم تعد “سيارة” فقط. جزء كبير من تكلفتها أصبح مرتبطاً بالبطاريات، والبرمجيات، والأنظمة الذكية. هذه عناصر مكلفة في التطوير، لكنها لا تعطي دائماً عائداً فورياً في سعر البيع. النتيجة: هوامش ربحية مضغوطة على المنتج النهائي، مقابل رهانات طويلة الأجل على ما بعد البيع.
الربح في الصين لم يعد محصوراً في بيع السيارة نفسها
جزء كبير من العائد يأتي من التمويل والتأمين. السيارة التي تُباع بهامش ضعيف نقداً، تتحول إلى أصل مربح عند بيعها بنظام أقساط، حيث تمتد العلاقة مع العميل لسنوات، وتتحول الصفقة الواحدة إلى تدفق مالي مستمر.
ثم تأتي الصيانة وقطع الغيار، وهي ماكينة الربح التقليدية التي لم تختفِ، بل تغيّر شكلها. في السيارات الحديثة، قطع الغيار لم تعد مجرد فلاتر ومكابح، بل حساسات، شاشات، وحدات تحكم، كاميرات، وأنظمة مساعدة. هذه عناصر مرتفعة السعر، عالية الهامش، وتدخل دورة الصيانة بشكل متكرر.

وهناك أيضاً البرمجيات. كثير من السيارات الصينية تُباع اليوم بمنطق “القابلية للتطوير”. خصائص تُفعّل لاحقاً، تحديثات مدفوعة، خدمات اتصال، أنظمة مساعدة متقدمة، وميزات رقمية تتحول مع الوقت إلى مصدر دخل مستقل عن بيع السيارة نفسها. هذا النوع من الربح لا يظهر في هامش السيارة، لكنه يظهر في عمرها الكامل.
ولا يمكن تجاهل عامل التصدير. السيارة التي تُباع داخل الصين بسعر مضغوط بسبب المنافسة الشرسة، قد تُباع في أسواق أخرى بهامش أفضل، سواء بسبب اختلاف المنافسة، أو اختلاف التجهيزات، أو ببساطة لأن السعر المرجعي هناك أعلى. صحيح أن التصدير يحمل تكاليف ومخاطر، لكنه يخلق توازناً بين سوق داخلي خانق وأسواق خارجية أقل شراسة.
من أبرز الأمثلة على ذلك هو تسعيرات الموديلات الصينية في أوروبا، والتي تقفز أحياناً بنسبة 100% أو أكثر مقارنة بالسعر في الصين .. سيارة بي واي دي Seal تُباع في الصين بأسعار تبدأ تقريباً من ما يعادل 110 إلى 120 ألف ريال، بينما يصل سعرها في بعض الأسواق الأوروبية إلى ما يعادل 180 إلى 200 ألف ريال. الفارق هنا لا يعود فقط للجمارك، بل لاختلاف التسعير، والمكانة السوقية، وغياب حرب الأسعار الجنونية التي تلتهم الهوامش داخل الصين.

وهناك بعدٌ آخر أعمق: بعض الشركات لا تنظر للسيارة كوحدة ربح، بل كحلقة داخل منظومة أكبر. شركة تملك البطارية، أو المنصة البرمجية، أو شبكة الشحن، أو سلسلة التوريد، يمكنها تعويض ضعف هامش السيارة من أرباح السلسلة كلها. هذه ميزة لا تمتلكها كل الشركات، لكنها تفسر لماذا تصمد بعض العلامات في حرب الأسعار بينما تختفي أخرى.
وهنا نصل إلى السؤال الحقيقي الذي يهم القارئ خارج الصين، وخصوصاً في الخليج.
هل هذا النموذج خطر؟ أم فرصة؟
من جهة، هامش 4.4٪ يعني أن بعض الشركات لن تحتمل الاستمرار. سنرى اندماجات، انسحابات، وعلامات تختفي. ليس كل لاعب قادر على العيش سنوات طويلة بهوامش ضعيفة واستثمارات ضخمة. هذا يفرض على المشتري أن يسأل: من سيبقى؟ ومن سيؤمن قطع الغيار والدعم بعد خمس أو عشر سنوات؟
لكن من جهة أخرى، هذا الضغط خلق قيمة غير مسبوقة للمستهلك. سيارات بتجهيزات كانت تُحسب على الفئة الفاخرة أصبحت متاحة بأسعار أقل بكثير. المفهوم التقليدي للرفاهية والسعر بدأ يتآكل، ليس لأن الجودة انهارت، بل لأن المنافسة فرضت كفاءة أعلى.
والأهم: الصين لا تبدو كصناعة تحتضر، بل كصناعة دخلت مرحلة نضج قاسية، حيث الربح لم يعد بسيطاً أو سريعاً، لكنه أصبح أذكى، موزعاً، وطويل النفس.
في النهاية، السؤال ليس: هل تربح الشركات الصينية 8000 ريال فقط من السيارة؟، السؤال الأدق هو: هل ما زالت السيارة هي المنتج… أم أصبحت مجرد بوابة لاقتصاد كامل يدور حولها؟

اشترك بالقائمة البريدية
احصل على أخبار وأسعار السيارات أول بأول



















