المربع نت – خلال الأشهر الماضية، بدأت جنرال موتورز اتخاذ خطوة غير مسبوقة: مطالبة آلاف الموردين بإزالة كل المكوّنات ومواد التصنيع القادمة من الصين من سلاسل التوريد الخاصة بهم. مصادر متعددة أكدت أن الشركة لم تعد تريد الاعتماد على الصين بأي شكل، وأن الهدف النهائي هو نقل سلاسل التوريد بالكامل خارج البلاد، مع تحديد موعد نهائي لبعض الموردين لا يتجاوز 2027.
هذه الخطوة لم تأتِ من فراغ. فخلال السنوات الأخيرة أصبحت الصين تستخدم المعادن النادرة كورقة ضغط جيوسياسية مؤثرة، وهي مواد حيوية في السيارات الكهربائية والهجينة، وفي أنظمة التعليق والفرامل والإلكترونيات وحتى المكونات البسيطة التي لا يلتفت إليها المستهلك العادي. وكل إعلان من بكين عن تقييد تصدير أحد هذه العناصر كان كفيلاً بإشعال حالة ذعر داخل الشركات العالمية، لأن أي نقص، حتى لو استمر أياماً، قادر على إيقاف خطوط إنتاج كاملة.
الوصول السريع للمحتوى
قطيعة جنرال موتورز مع الصين بدأت منذ 2024
بحسب مصادر Reuters، فقد بدأت جنرال موتورز توجيه هذه التعليمات للموردين في أواخر 2024، لكن التصعيد التجاري بين الولايات المتحدة والصين في ربيع 2025 أعطى الخطة طابعاً أكثر إلحاحاً. المديرون التنفيذيون في الشركة وصفوا الخطوة بأنها جزء من استراتيجية أوسع لتعزيز “مرونة” سلاسل التوريد وتجنّب تكرار صدمات الرقائق النادرة أو احتكار المواد الحساسة.
من الواضح أن تجربة رسوم ترامب كانت نقطة التحول الكبرى. فخلال السنوات الماضية، عاشت الصناعة حالة من الارتباك المزمن مع قرارات جمركية تُفرض وتُلغى في فترات قصيرة، ما جعل تكاليف التصنيع غير مستقرة. اكتشفت الشركات أن سلاسل التوريد التي بنتها على مدى عقود لم تكن محمية كما اعتقدت، وأن الاعتماد على الصين تحديداً يجعل الصناعة عرضة لأي موجة سياسية، حتى لو كانت مؤقتة.
شاهد أيضاً:
عام مدمر للعلاقات الأمريكية-الصينية
عام 2025 كشف حجم القلق داخل شركات السيارات. الرسوم الجمركية المتقلبة لترامب، والجدل حول نقص المعادن الأرضية النادرة، ومخاوف انقطاع الرقائق، كلها جعلت الشركات التي اعتمدت لعقود على الصين تعيد تقييم علاقتها بأكبر مركز تصنيع للمكوّنات في العالم. وحتى مع دعوات ترامب لزيادة التصنيع داخل الولايات المتحدة، يشعر التنفيذيون بأن التغيير أعمق من مجرد موجة سياسية مؤقتة، بل هو تحوّل طويل المدى في علاقة البلدين.
وما يجعل الصورة أكثر تعقيداً هو أن الأزمة لم تعد مقتصرة على المعادن أو الرسوم. فالسنوات الماضية كشفت أن قطاع السيارات مرتبط بشبكات توريد دقيقة وهشة، وأن أي تعطل في مصنع صغير في آسيا أو أوروبا أو حتى نزاع قانوني على شحنة رقائق، قادر على إرباك صناعة بحجم جنرال موتورز. أزمة الرقائق 2020–2022 كانت مثالاً بارزًا على هشاشة النظام، وجعلت الشركات تفكر لأول مرة بمنطق “الأمن الصناعي” وليس فقط “التكلفة”.

ورغم أن جنرال موتورز كانت من الشركات الأكثر نشاطاً في الابتعاد عن سلاسل التوريد الصينية للبطاريات والرقائق، بشراكات في التعدين النادر والاستثمار في مناجم الليثيوم في ولاية نيفادا الأمريكية، إلا أن الخطة الجديدة أوسع بكثير وتمس مكوّنات أساسية كانت تاريخياً تعتمد على التصنيع الصيني.
لا مجال للمخاطرة بعد اليوم
الرئيسة التنفيذية لجنرال موتورز ماري بارا تحدثت مراراً عن الحاجة لنقل أكبر قدر ممكن من سلاسل التوريد إلى الولايات المتحدة. وفي تصريحات لرئيس المشتريات العالمي في الشركة، شيلبان أمين، أكد أن مخاطر الانقطاع أصبحت كبيرة لدرجة لا تسمح بالاعتماد فقط على الدول الأرخص تكلفة، بل على شبكات تصنيع يمكن التحكم فيها بشكل أكبر.
اقرأ أيضاً: جنرال موتورز تطور محركات V8 جديدة أقوى وأعلى في الكفاءة
المشهد الأوسع في الصناعة لا يبدو أسهل. فرغم اتفاق الولايات المتحدة والصين في أكتوبر الماضي على تخفيف بعض القيود، إلا أن مزاج الصناعة تغيّر. سلسلة من الرسوم المتبادلة، تقييد الصين لصادرات المعادن النادرة، وتعطّل توريد بعض أهم الرقائق الإلكترونية إثر نزاع قانوني بين الصين وهولندا مؤخراً كلها عوامل خلقت أجواءً من القلق المستمر، لا سيما أن تخطيط المنتجات في عالم السيارات يمتد لسنوات طويلة ولا يتحمل مفاجآت.
هل الانفصال عن الصين ممكن من الأساس؟

يجمع الخبراء على أن “الاستقلال الكامل عن الصين” هدف واقعي على الورق، لكنه شبه مستحيل التنفيذ في المدى القصير. فالصين لا توفّر فقط العمالة الرخيصة، بل تمتلك أكبر بنية تحتية في العالم للإلكترونيات، تصنيع القوالب، الإنتاج الدقيق، وسلاسل المواد الخام. وحتى إذا ظهرت البدائل، فإن تكلفتها أعلى وفترات التوريد أطول. لذلك يتحرك معظم المصنعون اليوم ضمن استراتيجية “تقليل المخاطر” وليس “قطع العلاقات نهائياً”.
لكن إعادة بناء سلاسل التوريد ليست مهمة بسيطة. الصين أصبحت خلال العقود الماضية العمود الفقري لقطاعات مثل الإضاءة، الإلكترونيات، صناعة القوالب والأدوات، وتوريد المواد الخام بأسعار تنافسية بشكل يصعب تعويضه. أحد كبار التنفيذيين في الشركات الموردة قال إن “المهمة ضخمة… الجميع يهرول لإيجاد بدائل”. وحتى الجمعيات الصناعية تعترف بأن ما بُني خلال 20 أو 30 عاماً لا يمكن تفكيكه في ثلاث أو أربع سنوات.
ورغم ذلك، تبدو جنرال موتورز مقتنعة بأن مسار “فك الارتباط” أصبح قدراً لا مفر منه، وأن الشركات التي ستتأخر في تعديل شبكات التوريد الخاصة بها قد تجد نفسها في قلب عاصفة جديدة مع كل جولة توتر بين القوتين العالميتين.

اشترك بالقائمة البريدية
احصل على أخبار وأسعار السيارات أول بأول
